...وقع
الاسم كقطعة ثلج على مسامع حسن و قال و الترقب باد على محياه:
_"و
ماذا فعل؟"
تريثت
فاطمة للحظة محاولة السيطرة على دموعها، ثم أردفت:
-"لقد
قام بالاعتداء علي بوحشية..توسلت إليه أن يتركني و شأني لكن عبتا كنت أحاول..،
صرخت بكل قوتي و لم ينجدني أحد..فاستسلمت لهجومه الوحشي..لن أسامحه على ما فعل..لن
أسامحه أبدا"
انشغلت
بعد ذلك فاطمة بتجفيف دموعها، بينما كان حسن قد بلغ أوج غضبه، وقف و تسمر في مكانه
لسماعه مثل هذا النبإ الصادم، ومن الفاعل؟ الشخص الأكثر كرها على قلبه، فحفرت
الكراهية عميقا في جوفه، و ازدادت البغضاء و الحقد اتجاه الفاعل، و تأججت نار
الانتقام في صدره، و ختم الشر على بصره، فخرج من الغرفة مسرعا أمام أنظار أخته
الباكية التي وجهت الخطاب له برعب:
_"إلى
أين أنت ذاهب؟"
ظل
حسن صامتا و لم يجب، دخل إلى المطبخ ثم خرج و مضى في طريقه مسرعا، بينما نهضت
فاطمة و لبست نعلها ثم خرجت وراءه مسرعة بدورها و البكاء يلازمها.بدا لها أنه يتجه
إلى الينبوع، حاولت اللحاق به، لكنه كان بعيدا لا يصغي لنداءاتها المتكررة، تزداد
سرعته خطوة بعد أخرى.كان حسن يتمنى أن يجد مصطفى في المكان الذي رآه فيه بعد عودته
من المنبع، كان يقول في نفسه:"لقد تجاوز هذا الحقير حدوده، و هو يحتاج إلى من
يعيد رسمها له مجددا"
لمح حسن ضالته بين أولئك الفتيان الذين لم
يبارحوا مكانهم، ما زالوا جالسين يمرحون و يتسلون، و من يدري ، ربما كانوا يخططون
لهتكِ عرض فتاة أخرى من فتيات القرية.وقف حسن على مسافة قريبة منهم، و نادى على
مصطفى قائلا:
_"مصطفى،
تعال إلى هنا أحتاج إلى أن أكلمك على انفراد"
استدار
مصطفى ناحيته، و لبى نداءه و علامات الاستفهام تحيط بفكره، هذه أول مرة يطلب فيها
حسن من مصطفى أن يكلمه و على انفراد، دنا منه و قال بغلظة:
_"ماذا
هناك؟ ماذا تريد؟"
نظر
حسن في عيني خصمه البغيض و قال بصوت يلفه الغضب:
_"أنا
من يجدر بي أن أسألك مثل هذا السؤال، ماذا تريد منا و من عائلتنا، لقد ارتكبت في
حق أختي و في حق شرفنا جريمة لا تغتفر، لست أكثر من مجرم أحمق، صاحب أخلاق متدنية
مدمن مخدرات فاشل، دفع بك طيشك لاغتصاب فتاة بريئة، أبله فاسد"
_"و
ماذا ستفعل الآن؟ ستخبر والدي بذلك لكي يعاقبني؟"رد مصطفى ساخرا و قهقهته
المعتادة تزيده قبحا.
_"ستنال
جزاءك أيها المجرم.."
ثم
فاجئ حسن عدوه بسكين حادة أخرجها من وراء ظهره..و لم يتردد ولو لوهلة، فغرزها بقوة
في بطنه إلى أن تأكد تماما من أنه لن ينجو، و تركه يتمايل متألما قبل أن يسقط أمام
أنظار زملاءه من دون حراك، و من بعيد تعالت صرخات فاطمة التي يبدو أنها وصلت
متأخرة، اقتربت من شقيقها الذي وقف في مكانه ينظر لما فعلت يداه في ذهول، وتعاقبت
على مسامعه أصوات العتاب و اللوم:
_"ماذا
فعلتُ؟لا أصدق ذلك، لماذا قتلته؟ لقد غدوتُ مجرما مثله، و لطخت شرفي بدماء
الجرم..السجن..العقاب..عائلتي، أحلامي تلاشت، لقد انتهت حياتي، إن بقيت حيا سأجلب
العار على أسرتي، أنا مجرم قتلت أحدهم، ربما لو لم أفعل ذلك لكان هنالك حل
آخر..،لا،لا..لماذا قتلته؟لماذا؟.."
و
انهمرت الدموع من عينيه، تأمل يده الملطخة بالدماء و أخذ يرتعش، نظر ناحية شقيقته
التي لم تصدق بدورها ما يجري، و كأنه يودعها، و كأنه يقول لها أنه آسف على كل ما
جرى، و بحركة سريعة، أخرج السكين من بطن المقتول و غرزه في بطنه، و ارتمى طريحا
على الأرض بجانب ضحيته، بينما دوت صرخة فاطمة، و أعلنت عن فقدان شخص آخر عزيز على
قلبها.
و ما هي إلا لحظات حتى كانت ساحة الكارثة غاصة بجموع
الناس، و أصوات النحيب و البكاء تملأ المكان، لم تتوقف السيدة خديجة و لا السيدة
حليمة عن الصراخ و العويل وسط محاولة من بعض سكان القرية لتهدئتهما، تجثيان لكي تلمسا
الضحيتين قبل أن يتم نقلهما إلى مكان آخر، كان مشهدا مرعبا، فتيان راحا ضحيتين
لنزوات الشيطان، الأول لم يتمالك جماح غريزته الجنسية، و الثاني قتله دفاعا عن شرف
أسرته و انتقاما لما صدر منه من أفعال ظالمة.لقد أثر هذا المشهد في الذين ناداهم
الفضول لرؤيته، و لكن من تأثر له بشدة هم إخوة مصطفى الصغار، و خالد الذي وقف في
مكانه لا يتحرك، و الدموع تنساب على خديه دون أن يصدر أي صوت، ذكريات كثيرة تلك
التي عاشها مع شقيقه حسن، لحظات لن تنسى، لكنها لن تعود لتتكرر من جديد، بدا
الذهول مسيطرا عليه، و أحس بأنه غير قادر على الحركة، بينما كانت أخته فاطمة قد
جلست متكئة على جذع شجرة قريبة من مكان الحادث، تبكي و تحمل نفسها اللوم لأنها تظن
أنها السبب في ما حدث، لكن السبب الحقيقي وراء وقوع ما وقع، هو قضاء الله و
قدره.رفعت رأسها و نظرت من حولها، لتلمح والدتها التي تنهش الأرض، تولول، تقف ثم
تسقط، وسط استياء عم كل الحاضرين هناك، و على مقربة منها، كان خالد لا يزال منتصبا
لا يتحرك و لا يتململ، تمثال خال من كل المشاعر إلا من شعور واحد، الحزن، الحزن
لفراق شقيقه الوحيد، و الحزن لأن شقيقه هو من اختار لنفسه الموت بهذه الطريقة.لم
يتحمل خالد حجم الكارثة و لا حجم الصدمة، فانهارت قواه، و صعب عليه البقاء طويلا
على هذه الحال واقفا في مكانه يصارع عقله الذي لا يريد تصديق ما حدث، فترك جسده
يهوي نحو الأرض أمام أنظار شقيقته، و سقط مغشيا عليه، فازدادت حدة العويل و
الصراخ...(يتبع)