رواية "لو كان الفقر رجلا لقتلته"_ أزمة الدكان


لو-كان-الفقر-رجلا-لقتلته-13

... في هذه الأثناء كان الولدان في الطريق لإحضار الماء من أحد العيون القريبة، اقتربا من وجهتهما المنشودة، فلمح حسن الشخص الأكثر كرها لقلبه على بعد أمتار قليلة، إنه مصطفى، الشخص الذي لا يكثرت لمشاعر الغير و لا يحترمهم البتة، كان يجلس رفقة أصدقاءه المعتادين، دنا الشقيقان منهما فألقى خالد التحية لكن حسن لم يفعل، ثم استمرا في طريقهما. تعجب الأخ الأصغر من تصرف شقيقه، فسأله:
_"لماذا لم تلق التحية يا حسن؟"
رد حسن:
_"ليس من شأنك"
و زاد استغراب خالد، فهذه أول مرة يخاطب فيها حسن أخاه بهذه الطريقة، فتوالت علامات الاستفهام على رأس الشقيق الأصغر، دون أن يجد لها حلا، فتناسى الأمر، و تابع السير رفقة أخيه الذي بدا غاضبا، فذلك الحادث لن ينسى أبدا، و سيظل يشوب علاقة حسن بمصطفى إلى الأبد.
    مرت ثلاثة أسابيع أخرى، و قد بدأت غيمة الكرب تنقشع، و ستعود المياه في الأيام المقبلة إلى السيلان من جديد في مجاري غير مجاريها الأولى، و ستتغير استراتيجية هذه الأسرة في مواصلة العيش و مواجهة محن الحياة.هذا الصباح، أزالت الأرملة ثوبها الأبيض، بعد وليمة عزاء أقامها السيد عبد الله في منزل الفقيد ليلة أمس، تلي خلالها القرآن الكريم، و تم الترحم على روح الراحل، و عادت من جديد الدموع لتملأ أعين أفراد الأسرة.و عزمت السيدة خديجة على أن تفتح الدكان من اليوم، و طموحها كبير لتحقق ما لم يحققه زوجها و تعملَ ما في وسعها لإعالة هذه الأسرة و توفير الظروف المناسبة للعيش لأفرادها، و هي لا تشك في كون الطريق وعرة و مليئة بالمصاعب.و بغياب الأم عن البيت و تفرغها للعمل في الدكان، أصبحت فاطمة مكلفة بأمور المنزل، فتبادلت الأدوار، لكن الولدين سيتابعان دراستهما و لن ينقطعا عنها، و قد وضعت السيدة خديجة ضمن أولوياتها تمكين ابنيها من متابعة دراستهما إلى النهاية رغم الصعوبات الكبيرة، و أملها كبير فيهما لتعويض ما فات، فقد عادا إلى الفصل قبل أسبوع، و وجدا أن الفاجعة التي حلت بهما و غيابهما كل هذه المدة أثر بشكل كبير على علاماتهما الدراسية، و سيؤثر لا محالة على النتائج القادمة كذلك، خصوصا و أن حالتهما النفسية لم تتعافى تماما، لكن ما باليد حيلة، عليهما متابعة حياتهما و ترك الآلام و الأحزان جانبا، فالحياة هكذا على الدوام، فصول من مسرحيتها تحمل الآلام و الكرب و الغم، و فصول أخرى تحكي عن المسرات و الأفراح و النجاحات.
    توسطت الشمس السماء، و اجتمع أفراد الأسرة حول مائدة الطعام، و شرعوا في الأكل، و قد لاحظت فاطمة أن والدتها ليست على ما يرام فسألت عن السبب قائلة:
_"ماذا هناك يا أمي؟ ماذا حل بشهيتك؟"
أجابت السيدة خديجة:
_"ليس لدي شهية للأكل اليوم"
فتسأل فاطمة من جديد:
_"و لماذا؟ماذا هناك؟"
_"الدكان في حالة مزرية، لم تعد هناك سلع كافية، و ليس بصندوق التوفير سوى بضع قطع معدنية"
يتدخل حسن متسائلا هو أيضا:
_"و ما المشكل في ذلك؟"
تنهدت الأم قبل أن تجيب قائلة:
_"كيف لي أن أوفر النفقات؟و كيف لي أن أشتري ما يلزم الدكان من سلع؟"
يرد حسن:
_"سوف تبيعين ما تملكين هناك من سلع و توفرين بذلك المال لابتياع أخرى"
_"قلت لك أن الدكان شبه فارغ من السلع، و حتى إن بعتها كلها فلن أوفر الكثير"
مرت بعد ذلك لحظة ساد فيها الصمت قبل أن تقول السيدة خديجة بعد لحظة تفكير:
_"سأطلب من والدي أن يقرضني بعض المال لابتياع البضاعة إلى حين أن أعيده إليه"
و تعقب فاطمة في فرح:
_"نعم، إنها فكرة رائعة..لكن المصيبة هي أن لا يتوفر جدي على مال ليقرضنا منه"
ترد الأم بصوت متحسر:
_"ليس لي إلا هذا المخرج، و إن لم يتوفر على المال، يمكنني سؤال الجار السيد محمد، عله ينقذنا من الأزمة"
ثم تعود غيمة الصمت تلك التي لفت المكان، قبل أن تقول السيدة خديجة و علامات الخيبة و الحزن تغطي ملامح وجهها:
_"لقد رحل والدكم و تركنا هنا وسط دوامة من المشاكل لن ننجو منها إلا إذا أحاطنا الله بلطفه و رحمته"
    أعلنت الساعة أنها تشير إلى الثانية بعد الظهر، فتركت الأم البيت متجهة نحو بيت أبيها متمنية أن لا يخيب مسعاها و أن تجد ضالتها و حاجتها من المال لديه، فليس هناك أية إشارة تدل على أن السيد عبد الله سيملك معه مالا خصوصا و أنه فصل الربيع و اقترب موعد الحصاد حيث يكون الفلاحون في حالة إفلاس بعد أن أنفقوا ما يتوفرون عليه من أموال لإنبات الأرض و جعل المحصول السنوي أفضل و أجود، و كل آمالهم متعلقة بتحقيق ذلك.طرقت السيدة خديجة باب بيت الجد و ما هي إلا ثوان قليلة حتى فُتح و ظهر السيد عبد الله الذي بدا و كأنه استيقظ لتوه من قيلولته، فيدعو ابنته للدخول، و يتوجهان معا ليجلسا بإحدى الغرف، فبدأت السيدة خديجة الموضوع من نهايته قائلة:
_"ألن أجد لديك يا أبي بعض المال أريده لأشتري بعض السلع من أجل الدكان؟"
يتريث الأب قليلا ثم يرد:
_"ألا تزالين يا ابنتي مصرة على العمل في ذلك الدكان؟"
_"أكثر من مصرة يا أبي، كيف لا و أنا أعيل تلك الأسرة؟"
_"لقد قدمت لكِ عرضا بأن تعيشوا هنا معي، و بذلك يمكنكي أن تساعديني في الحقل و سنعيش من عائداته"
_"و لمن سنترك ذلك الدكان؟"
_"سوف تبيعينه بما فيه و ترتاحين"
_"لا، لا يا لأبي، سأبقى في منزلي و سأظل أشتغل في الدكان و سأقتات من عائداته أنا و أولادي"
_"يا لكِ من امرأة عنيدة..،أنت تعلمين ما تحمله الحياة من مشاكل و مصاعب..."
_"و مع ذلك فأنا أصر"
_"لا حول و لا قوة إلا بالله"
فيصمتان للحظة قبل أن تسأل السيدة خديجة من جديد:
_"هه، ماذا قلتَ يا والدي فيما سألتك عنه؟"
في ضجر يسأل الأب و كأنه لم يعلم ماذا سألته:
_"ماذا؟"
_"ألا أجد لديك مالا يخرجني من أزمتي تقرضني إياه؟"
و في ضجر أكثر يجيب:
_"لا أملك أي نقود"
_"حسنا، سأذهب الآن يا أبي"
فتقبل يد والدها و تخرج خائبة و هي تعلم أنها قد تسببت في غضبه، و بذلك يتقلص أملها و يزداد قلقها و حيرتها، و قد ألم بها حزن كبير.و هي في طريق عودتها، تذكرت كلام السيد عبد الله و دعوته لها بأن تعيش معه رفقة عائلتها، و رفضها للأمر و لو أنه يبدو بدون مبرر، إلا أنها تعلم أنا الحقل الصغير الذي في ملكية والدها لن يستطيع تلبية حاجات خمس أفراد، فبالكاد يوفر مصاريف عيش مالكه، خصوصا و الظروف الصعبة التي تعرفها الفلاحة بالمنطقة، و هي على يقين تام من ان عملها في الدكان سيعود عليها بالخير و سوف تتمكن من مواصلة السير على الدرب إلى أن تبلغ الهدف المنشود، أ لا و هو إعالة أفراد أسرتها إلى أن يكونوا قادرين بدورهم على مواصلة حياتهم مستقبلا...(يتبع)

Share this:

إرسال تعليق

 
Copyright © واويزغتــي | فين ما مشيت . Designed by OddThemes | Distributed By Gooyaabi Templates