رواية "لو كان الفقر رجلا لقتلته" الجزء 4


law kana lfaqro rajolan laqataltoh 4

   بعد أن أعدت فاطمة طعام الغداء، خرجت و جلست أمام باب المنزل تنتظر شخصا يواسيها. ما هي إلا دقائق حتى لمحت أخويها قادمين فدخلت إلى البيت مسرعة، لم ترد استقبالهما خارجا بخبر سيئ.دخل الولدان البيت ضاحكين، و وجدا أختهما جالسة و دموعها تتزايد، سألها حسن بسرعة:
_"ماذا جرى؟ لماذا تبكين؟"
بقيت صامتة للحظة ثم أجابت:
_"تشاجر أمي و أبي،  فقررت أمي الذهاب إلى بيت جدي"
تسمر الولدان في مكانهما من شدة الذهول غير مصدقين لما سمعاه، ثم بدأت دموع خالد تنهمر و هو يقول:
_"لماذا ذهبت أمي؟ لماذا؟"
أخذته فاطمة في حضنها و بدأت تمسح دموعه و تهدأ من روعه، فيما حسن يراقبهما سائلا نفسه عن الوقت الذي ستمضيه أمه هناك.
    لحظات بعد ذلك، شرعت فاطمة في إعداد طاولة الغداء فيما أخويها جالسين في صمت. قالت فاطمة:
_"لا أعرف لماذا تأخر أبي..، إن الساعة تقارب الثانية ظهرا، متى يحين موعد ذهابك إلى الإعدادية يا حسن؟"
يرد حسن:
_"حصتي الأولى في الرابعة"
_"و أنت يا خالد؟"
_"ليست لدي حصص دراسة هذه الظهيرة"
_"حسنا، اشرعا في تناول الطعام، لن ننتظر أبي أكثر من ذلك"
شرع الولدان في تناول الطعام، فلاحظا أن أختهما لا تأكل، قال حسن:
_"لماذا لا تأكلين؟"
_"أنا لست جائعة، تناولا أنتما طعامكما فقد قضيتما نهارا متعبا من دون شك"
شهية منعدمة و طعام على الطاولة لا يغري بالأكل.فرغ الولدان من تناول الطعام فاستلقى خالد و نام، فاطمة جالسة في صمت و حسن يهيئ نفسه للعودة إلى الإعدادية.إنها المرة الأولى التي تغادر فيها الأم البيت بهذه الطريقة، و هذا ما جعل حسن يتساءل عن السبب، أراد أن يقطع قيود الصمت بسؤاله عن ما جرى بين الوالدين بالتحديد، لكنه تراجع عن ذلك مخافة أن يثير مشاعر أخته، فاكتفى بطرح الأسئلة على نفسه و هو يعلم أن والدته جد صبورة لا يمكن لها أن تتركهم بهذه البساطة و دون سبب وجيه.
    حل الليل بظلامه و نور قمره، و لا زال الحال كما هو عليه في منزل أسرة السيد إبراهيم، صمت رهيب و أسئلة تطرح ليس لها أجوبة. قرر حسن، بعد أن عاد من الإعدادية في المساء، الذهاب إلى بيت الجد و محاولة إعادة أمه لكن فاطمة منعته خوفا عليه من الكلاب الضالة الموجودة على طول الطريق، و دعته إلى تأجيل ذلك حتى صباح الغد لكونه يوم عطلة أسبوعي.الأب لم يظهر له أثر، فقد أرسلت فاطمة أخاها خالد عدة مرات هذا اليوم ليتفقد الدكان و الأماكن التي اعتاد زيارتها ليحتسي الشاي رفقة الأصدقاء و يتسامر معهم، كالمقهى و دكان الحلاق السيد عمر و منزل السيد فريد  صديق الأب، لكنه لم يعثر عليه و لم يلمح له أي من أصدقاء والده عن مكانه إلا أنه لم يفكر في البحث عنه قرب البحيرة، فما زال السيد إبراهيم جالسا في مكانه يتأمل و يتأمل...
تأخر الوقت و حان موعد نوم الأولاد، سأل خالد:
_"تٌرى أين ذهب أبي؟"
يجيب حسن:
_"لا تقلق، لن يتأخر، سوف يأتي قريبا.."
    هنا تبادر إلى ذهن كل من حسن و فاطمة بأن السيد إبراهيم سيعود ثملا هذه الليلة أيضا، فلم يجدا سوى الدعاء لله عز و جل بأن لا يحدث ذلك. قالت فاطمة:
_"هيا لتناما، و لا تقلقا بشأن أبي، إنه رجل و يعرف ماذا يفعل"
_"ستكون ليلة موحشة من دون أمي.." يقول خالد.
_"غدا سأذهب إلى بيت جدي و أرجوها أن تعود" يرد حسن.
_"الآن سننام و غدا يوم جديد، سيحمل في طياته ما يحمل" تقول الأخت.
فخلد الكل للنوم إلا فاطمة التي بقيت تسبح في بحر تفكير عميق، تسترد ذاكرتها ما حدث في الصباح و هي تتساءل عن ما سيحدث في الأيام القليلة القادمة.فجأة، سمع صوت الباب الذي فتح، إنه السيد إبراهيم الذي عاد أخيرا و الساعة تتجاوز الثانية، توجه بعد ذلك إلى غرفته، لم يشعل الأضواء لكي لا يوقظ الأولاد النائمين، ما إن سمعته فاطمة حتى ارتاحت و اطمأنت نسبيا، غير أنها لم تكن تعلم الإحساس الذي ينتابه، كله حزن و أسى و ندم، خصوصا بعد أن علم من صديقه السيد فريد أن زوجته غادرت المنزل الذي علم بالأمر هو بدوره من خالد عندما أتى ليسأل عن والده هذا المساء، لم يتوقع أن تفعل به زوجته ذلك، حتى و إن كان يسيء معاملتها أحيانا، فإنه و رغم كل الذي فعل بها يكن لها الاحترام و الحب و الوفاء، و قد أقنع نفسه أخيرا بأن الذنب ذنبه، إلا أنه لم يقرر أن يصالحها و يذهب إلى بيت أبيها من أجل إعادة المياه إلى مجاريها، فما زال تكبره و ثقته بنفسه يغلبانه.

    حل الصباح، استيقظ حسن باكرا و قرر أن يذهب لبيت جده من أجل إقناع والدته بالعودة.من الواضح أن غياب الأم قد ترك فراغا كبيرا في نفسية الأسرة، و من الواضح كذلك أن غيابها سوف يزيد الأمر سوءا.في الجهة الأخرى، ببيت الجد السيد عبد الله، منذ أن استيقظت السيدة خديجة و هي تبكي بصمت، لم ينل شفقتها و اهتمامها هذا لحد البكاء سوى أبناءها فلذات كبدها، لم تفارقهم سوى بضع ساعات، لكنها اعتادت أن تكون كل يوم بجانبهم، ترعاهم و تتحدث معهم، تؤنبهم و تصرخ في وجههم، استحضرت اللحظات الجميلة التي قضتها معهم، و اللحظات المرة كذلك، و تمنت لو أنها جاءت إلى هنا  رفقة خالد على الأقل، آخر العنقود، قلقت من أجله كثيرا، و هي تعلم أنه سيكون حزينا جدا لعدم تواجدها معهم...(يتبع)

Share this:

إرسال تعليق

 
Copyright © واويزغتــي | فين ما مشيت . Designed by OddThemes | Distributed By Gooyaabi Templates