سجن الفايسبوك

                  

بسم الله و الصلاة و السلام على رسول الله
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته 


ملخص من كتاب #العيش كصورة# لطوني صغبيني بتصرف

معظمنا لا يستطيع تخيل مرور يوم من دون التحقق من حسابه على الفايسبوك، الفايسبوك تحول إلى ركيزة أساسية في علاقاتنا و الخروج منه يشبه مغادرة المدينة و الانتقال للعيش في قرية نائية.رغم منافعه، إلا أنه يأخذ منا أكثرمما يعطينا، الشبكات الاجتماعية هي في الواقع، كارثة تحل على العلاقات الإنسانية.فبعد التلفزيون الذي حول العديدين منا إلى مجرد متفرجين و كرس ثقافة الاستهلاك، تأتي الشبكات الاجتماعية لتجعلنا مجرد صور وأرقام على الشاشة و تمحو آخر ما تبقى من معالم إنسانيتنا

          التكنولوجيا الالكترونية في حياتنا جعلتنا أكثر اتصالا بأجهزتنا، أقل اتصالا ببعضنا البعض، فمعظم المهووسين بالفايسبوك يحصلون على صور جميلة و يظهرون و كأنهم يقضون أوقاتا ممتعة من خلال ما ينشرونه على صفحتهم، لكنهم غائبون، غائبون عن اللحظة، غائبون عن الحياة، و حاضرون على الفايسبوك فقط.الفايسبوك جمع الناس في مكان واحد لكنه جعلهم معزولين عن بعضهم البعض أكثر من أي وقت مضى

           فقد يقود التواصل الالكتروني الدائم إلى نوع من الوحدة، فنحن نتطلع إلى التكنولوجيا لملإ الفراغ، لكن كلما تقدمت التكنولوجيا، كلما تراجعت حياتنا العاطفية و الاجتماعية، فالفايسبوك يشجع على إقامة علاقات إنسانية سطحية لا عمق فيها، تبدأ بكبسة زر و تنتهي بكبسة زر، بل و أكثر من ذلك، العلاقة الجماهيرية التي يشجع الفايسبوك على نشوءها لا تكترث بإقامة صلة إنسانية مع الآخرين بل تشجع فقط على استعراض الذات أمامهم.هذا هو الهدف و المعنى اﻷساسي للفايسبوك: استعراض الذات لا بناء الصداقات، أو على اﻷقل هذه هي نتيجته على أرض الواقع.في العمق، الفايسبوك لا يتمحور حول الآخرين، يتمحور حول ذاتنا، حولنا نحن، يجعلنا نعتقد بأننا مركز الاهتمام، و هذا بدوره يشجع على الغرق في حب الذات و عدم الاكتراث للآخرين و هذه ظواهر لا تعزز القدرة على تطوير الصداقات، الشيء الذي وصفه الصحفي شاين هيبز بدقة حين قال: الفايسبوك هو وسيلة تقوم على تركيز الجزء اﻷكبر من اهتمامنا على أنفسنا فيما تظهر على انها تركزه على الآخرين، إنه مرآة تتنكر على أنها نافذة

          العلاقة الإنسانية على الفايسبوك تتحول إلى مجرد صورة و تعليق و جيم و تبادل للتعابير الالكترونية، مع الوقت الاتصال الهاتفي يستبدل بكتابة جملة على الحائط، و اللقاء يستبدل برسالة خاصة على الموقع.مع الوقت أيضا، نخسر حرارة ما في قلوبنا من دون أن نعلم لماذا و كيف.الإيموتيكون تستبدل العاطفة و تحرم تعابير وجهنا من التفاعل..لكن هل نعلم أننا كلما استبدلنا ضحكة برمز الكتروني، و كلما استبدلنا حزنا برمز و غمرة برمز و قبلة برمز، نقتل القليل من ضحكاتنا و أحزاننا و مشاعرنا؟ هل نعلم أنه كلما أرسلنا ضحكة على لوحة المفاتيح دون أن نضحكها حقا، يموت جزء من وجهنا و ينسى كيف يفرح و يضحك، و كلما أرسلنا قبلة تموت عضلة صغيرة في قلوبنا و تنسى شفاهنا قليلا كيف تقبل حقا؟

           الفايسبوك ليس سوى كتاب أقنعة، مشكلته اﻷساسية هو أنه بدل التعامل مع البروفايل على أنه شخص يدفعنا للتعامل مع اﻷشخاص على أنها بروفايلات، و ذلك لأنه يشجع الجميع لامتلاك أفضل بروفايل، يشجع الناس على التنافس لإظهار أنفسهم على أنهم يمتلكون الحياة اﻷفضل و اﻷكثر إثارة و نجاحا و سعادة.الذي قد ينشأ ليعتقد أن ذروة العلاقة الإنسانية هي أن نتبادل التعليقات على صورة على الفايسبوك فيما نجلس وحيدين في المنزل، و الذي قد ينشأ ليعتقد على أن التفاعل مع الحياة و مع أحداثها هو بسهولة الضغط على زر جيم أو عبر إغلاق نافذة المتصفح.هذا هو الفايسبوك، أحدهم يخبرنا بأنه تناول صحنا من الفاصولياء على العشاء جيم، إحداهن تضع صورة لها في بلد أجنبي جيم، أحدهم يمدح الطاغية أو يسبه جيم، أحدهم انفصل عن حبيبته جيم، إحداهن تضع فيديو فيه ألم و موت و دمار جيم.يكفي أن نتخيل أن زر جيم يساوي الإيماء برأسنا ب"نعم" لنكتشف بأننا نبني مجتمعا من القطعان التي تتعامل مع بعضها البعض كالبكم فيما ندعي أننا أصبحنا مترابطين أكثر من أي وقت مضى..هذا هو الفايسبوك جيم با

           الفايسبوك هو بطريقة أو بأخرى مكان للتفاخر و إعلان الإنجازات بشكل عام، سواء كان ذلك بصورة جميلة لنا، بصورة لسيارة جديدة اقتنيناها، بصورة لصديقين أو حبيبين، بصورة تذكارية لحدث ما و غيرها، و بذلك تحدث المقارنة بطريقة تلقائية على الفايسبوك، ليس فقط في اﻷمور الشكلية، بل إننا في الكثير من اﻷحيان نقارن حياتنا مع حياة الآخرين من دون أن ندري، الفايسبوك يوهمنا بأن حياة الآخرين أكثر سعادة و إثارة بشكل يومي، و حين نقارن ذلك بحياتنا غالبا ما تكون النتيجة محزنة، و المشكلة اﻷكبر أنه مهما حاولنا، لن نكون بقدر تلك السعادة الذي يظهرها الموقع، ﻷن تلك المرتبة من الروعة و الفرح المتواصل ليست حقيقية فعلا، و ذلك لأن الفايسبوك لا يظهر سوى سلسلة متصلة من اﻷحداث السعيدة المتقطعة لأصدقاءنا و يقدمها عادة على أنها أكثر روعة مما هي عليه، فنسقط بذلك في فخ المقارنات.الفايسبوك هو اليوم مجرد واحدة من تلك الآلات اﻷكثر ضجيجا في هذا العالم، آلة تضيف ضجيج المئات من الناس على مساحتنا الخاصة و تجبرنا على مقارنة أنفسنا بهم لدرجة قد تنسينا أنفسنا و حياتنا الخاصة.لهذه اﻷسباب، يمكن أن نقول بأن الفايسبوك يجعل حياة البعض أكثر تعاسة

            المعضلة اﻷخرى الخاصة بهذا الموقع، هي أنه يستهلك من وقتنا الكثير، نبدأ بنية تصفحه لخمس دقائق، ثم..من صورة إلى رابط إلى ستاتو إلى صفحة و من دون أن نشعر بالوقت، و المعضلة اﻷكبر هي حين نستعمل الفايسبوك في الوقت اﻷهم: وقت الدراسة أو العمل، فتكون النتيجة ضياع الوقت المنتج  في قراءة ماذا أكلت فاطمة على العشاء أو المشاركة في نقاش لا طائل من وراءه، و المؤسف بشدة هو  عندما نضيع الوقت اﻷكثر صفاء في اليوم (الصباح) في تصفحه، فيثقلنا بالشعور بالكسل و الخمول طيلة اليوم.من جهة أخرى يعمل الفايسبوك على سرقة تركيزنا الذهني طوال اليوم، و ذلك نتيجة الهوس بتجديد الستاتو بالصور و الفيديوهات و التعليقات الجذابة، و كدى نتيجة للكم الهائل من المعلومات التي تقصف عقولنا و نحن على الموقع فتسيطر على انتباهنا بالساعات.فالموقع مصمم لجعل مستخدميه يقضون معظم الوقت بين أحضانه، و هو يضيف اﻷلعاب و البرامج و الفيديوهات و عواميد الأخبار و عناوين المواقع باستمرار لأنه يريد أخذ تركيزنا و وقتنا باي طريقة كانت لتزيد أرباحه، و بالتالي ليست هناك مبالغة إذا قلنا أن الفايسبوك مصاص دماء، يعيش على امتصاص أوقاتنا و طاقتنا و انتباهنا

ليس الهدف من كتابة هذا المقال أن أجعلكم تنفرون من الفايسبوك، و لكن يبقى الهدف هو تغيير عاداتنا و طريقة تعاملنا معه، و ذلك باستخدامه بحكمة فيما يفيد و دون أن نجعل أنفسنا حبيسي سجنه، و  من دون أن نسقط في فخه..تحياتي
 

Share this:

هناك تعليق واحد :

 
Copyright © واويزغتــي | فين ما مشيت . Designed by OddThemes | Distributed By Gooyaabi Templates