قذفتنا
الاقدار في وسط ريفي هادئ، ولادة اغلبنا اتت بلا سابق إنذار لكون والدتي
للأسف لا تجيد الحساب، ولا تعرف ما يدعى اليوم ب "السبيطار" او ما شابه، ولدنا في وسط لا تسمع فيه سوى نباح
الكلاب، و نقيق الضفادع في أشهر الصيف الحارة حينما تكتوي جلودها بشمس الصيف الحارة، لم أولد و في فمي
ملعقة من ذهب فقد اشتغل والدي في أعمال مختلفة رغم ان بناء المنازل كان نشاطه
الاساسي، من أجل تأمين قوت اسرته التي كنت احتل فيها المركز العاشر بين إخوتي
إضافة الى والدتي و جدي و اخي الصغير من بعدي، كثرة الاخوة ساعدتنا كثيرا بقدر ما
اعاقتنا أحيانا، فقد كنا نتوارث الملابس و النعال، لشدة احتياجنا لها، فكنا لا
نتنازل عنها حتى تتشوه و تفقد شكلها الاصلي لشدة الاصلاحات التي لحقتها، توارثنا
كذلك سلسلة "القراءة" و النشاط العلمي و التفتح الفني الى غير ذلك من
مقررات لن يتذكرها الا جيل التسعينات بعدما كنا نمحي ما كتبه الكبير منا بقلم
الرصاص، فلم نكن نحن الذكور ندخر جهدا
للحصول على اللوازم المدرسية لأن الاخ الاكبر يتركها لمن بعده، و هكذا دواليك. أما
الاناث فلم يساعفهم الحظ في نيل قسط من العلم شأننا، لكون ذلك متوارث لدى كبارنا منذ القدم !!
نشانا و لو تكن أحلامنا
تتعدى موضع أقدامنا، نرى ان المستقبل مرتبط بالمجال الذي خلقنا فيه، و اننا مجبرين
على العيش و الموت فيه كما فعل أجدادنا من قبلنا !! متجاهلين العالم أو العكس اي أن العالم هو من تجاهلنا لسنين طويلة لا
طريق معبدة و لا إنارة و لا ولا ولا، فلم نكن نعرف أن هناك عالما آخر وراء تلك
الحدود الضيقة التي رسمناها في مخيلتنا، ليقي ما لم يقيده الواقع، مقيدا بطريقة
تفكيرنا التي لم تعدوا ان تكون براغماتية
في حد ذاتها طبعها التفكير المحدود، بل و حتى مصطلحاتنا لم تكن خارجة عما ألفناه و
عشناه في إطار مجتمع رعيوزراعي، لم نع كذلك أن هناك من يسير شؤون الوطن الذي نعيش
على جزء منه أو بالأحرى على أقصى هوامشه او كما سماه المقيم العام الجنرال اليوطي
بالمغرب الغير النافع.
رغم كل ذلك كنا متفوقين
في دراستنا، في كل مستوياتها رغم الويلات التي واجهتنا، فلم تتوفر لنا ظروف
التحصيل، كان اكبر هاته العوائق بعد الطريق الى المدرسة، اما المرحلة الاعدادية و
الثانوية فحدث ولا حرج. كانت رحلتنا تبدأ بالظلام و تنتهي اليه، بل انه في أغلب
الاحيان نعود منهكين فنستسلم للنوم بدل مراجعة حصيلة يوم كامل من الدروس، في بعض
الاحيان نصل منازلنا و ارجلنا ملتهبة بالأحدية المطاطية، لنجد أن الاهل بدورهم
استسلموا للنوم بعد يوم شاق. فنضطر الى تناول كسرة خبز و كأس شاي من النوع الرديء
"حسّان". فنخلد بدورنا للنوم منتظرين رحلة الغد التي لا يدري أحد ما ستحمله خصوصا في
فترات الشتاء و الثلوج رحلات ذهاب و اياب على الاقدام لكلومترات معدودة لا تنتهي
الا بحلول عطلة الصيف.
كبرنا شيئا فشيئا فأصبحنا نرى ما لم يكن لنا به
بصيرة منذ نعومة أظافرنا، فقد أصبحنا نسمع بأمور كنا نخالها في بداية الامر لا
وجود لها، اقتحمنا العالم الاخر من خلال شاشات التلفزة الصغيرة بالأبيض و الاسود
لكنها بالنسبة لنا في ذلك الوقت كانت كافية رغم كونها استغلت عقولنا الصغيرة لمدة
طويلة لان ما كنا نشاهده ليس ما كان علينا ان نشاهده في تلك السن المبكرة، كبرنا
فأصبحت عيونا تنفتح شيئا فشيئا رغم انه كلما تقدمنا في العمر شعرنا بالإزعاج، و
تمنى أغلبنا لو بقي حبيس تلك الحدود المرسومة في الصغر، غير مبالي بما يدور حوله.
أصبحنا نسمع عن السياسة و الإجرام والثورات و العولمة و اسرائيل و الرشوة و حوادث
السير و امور كثيرة تسبب إزعاجا لأصحاب الضمائر الحية منا، كبرنا وظننا اننا قد اخترنا الطريق الصحيح لنكتشف في
نهاية المطاف اننا خدعنا و اغلبنا تمنى الهروب من واقعه والعودة الى الريف الهادئ
و تناول كسرة خبز جافة تعينه عن الجوع لكن فات الاوان.....
بقلم:لحسن واخير
إرسال تعليق