رواية "لو كان الفقر رجلا لقتلته" الجزء 7

     
  في منزل السيد عبد الله، أخذت السيدة خديجة مكانها بإحدى زوايا إحدى الغرف تتمنى لو أن أبناءها قدموا لزيارتها، لقد ألفت وجودهم منذ ولادتهم، و لم تبتعد عنهم يوما كل هذه المدة. طوال هذا اليوم، و كلما تذكرتهم، تتملكها رغبة شديدة في العودة إلى منزلها، تتساءل:ماذا تراهم يفعلون؟هل هم بخير؟هل سيتحملون عدم وجودي بالبيت طوال مدة غيابي؟...أسئلة كانت ترخي بظلالها على ذهن السيدة خديجة و تقض مضجعها فلا تجد غير الدموع مواسيا.قبيل الأذان لصلاة العصر، استيقظ الجد منهيا قيلولته، فتوضأ و لبس جلبابه كالمعتاد، و توجه إلى المسجد. و بعد أداءه للصلاة، أبى إلا أن يزور السيد إبراهيم في دكانه و يتحدث معه بخصوص الشجار الذي نشب بينه و بين زوجته.وصل السيد عبد الله إلى الدكان، فوجد السيد إبراهيم جالسا و السيجارة في يده، فألقى التحية قائلا:
_"السلام عليكم"
رفع السيد إبراهيم رأسه ليرى من بباب الدكان، و ما إن رمق السيد عبد الله بالنظرة الأولى حتى أطفئ السيجارة و وقف مادا يده ليصافحه و قال:
_"أهلا بك، مر وقت طويل لم أرك فيه"
يرد السيد عبد الله:
_"مشاغلي كثيرة هذه الأيام، هذا هو السبب"
أعطى السيد إبراهيم السيد عبد الله كرسيا ليجلس عليه، و هو يفكر فيما قد يقوله ليبرر ما حدث بينه و بين زوجته.
لقد كانت العلاقة بين هذين الرجلين متوترة، و ما زالت كذلك، بدأت القصة حينما كان السيد عبد الله أول معارض لزواج ابنته من السيد إبراهيم، و ذلك لأنه كان يظن بأنه ليس الزوج المناسب، إلا أنه اضطر في الأخير إلى القبول بعد إصرار ابنته، فاستمر هذا الحدث يعرقل مسيرة التفاهم بينهما إلى يومنا هذا.
يبدأ السيد عبد الله في الكلام و يخوض في صلب الموضوع:
_"ما هذا الذي وقع بينك و بين زوجتك؟"
نظر السيد إبراهيم في عيني السيد عبد الله و رد قائلا:
_"إنه مجرد خلاف بسيط، لكنها أعطت الأمر أكثر مما يستحقه"
_"خلاف بسيط؟! و ما سر تلك الكدمات التي زخرفت وجهها؟"
_"أنت تعلم أنني لا أطيق من يصرخ في وجهي أو يؤنبني، هي قامت بذلك، و في لحظة لم أكن أدرك فيها ما أفعل، قمت بضربها و...، بصراحة..، لم أشأ فعل ذلك، لكنها من دفعني لأن.."
يقاطعه السيد عبد الله:
_"لقد ألفت و ألفنا معها تلك العقوبات التي تعطيها من وقت لآخر، طفح الكيل هذه المرة، و تجاوزت الحدود بشربك للخمر..ألم تعمل حساب الجيران و حساب الأولاد؟ أ لا تخشى ربك؟ و الغريب في الأمر هو أنك لا تملك حتى قوت يومك و تنصرف لإنفاق ربحك الضئيل في التدخين و شرب الخمر؟"
_"أعلم أني أخطأت، لكن.."
يقاطعه السيد عبد الله مرة أخرى قائلا:
_"أنت لم تخطئ فحسب، بل قمت بجريمة في حق زوجتك و أولادك..،استحيي من بارئك و من نفسك، و كن في مستوى قدرك كرب أسرة"
_"لطالما احترمتك و قدرتك، لكن أن تصل إلى الحط بمرتبتي كرجل، فلن أسمح لك بذلك،أتفهم؟"
_"نعم..نعم، أنا المخطئ لأنني أتيت إلى هنا لنصحك و الإصلاح بينك و بين زوجتك، أنا أستحق ما تقوله لي الآن، و قد أخطأت أيضا يوم قبلت زواجك بابنتي، فأنت لا تستحقها"
ثم يقف السيد عبد الله و يخرج دون أن يتلقى أي رد من قِبل السيد إبراهيم الذي أدنى رأسه متمالكا أعصابه، فقد كان قاب قوسين أو أدنى من أن يفجر غضبه أمام السيد عبد الله.أخذ يهدأ نفسه، أشعل سيجارة و بدأ يستنشق دخانها و هو في حيرة من أمره، يبحث عن حل لمشاكله هذه التي لا تنتهي.
و في منزل الأسرة الصغيرة، كان الأولاد يستعدون لزيارة والدتهم في بيت الجد، قرروا ذلك بعد أن أحسوا بضيق في صدورهم، فهذه    الدار من دون الأم كالطعام بلا ملح.غادروا البيت و كلهم شوق للقائها و ضمها و تقبيل يديها.
    بلغوا مرادهم، و وقفوا أمام باب المنزل، طرقوه، و انتظروا ردا، فسرعان ما سمعوا صوت والدتهم الصادر من بهو المنزل:
_"من الطارق؟"
يرد خالد بسرعة و بصوت مرتفع:
_"نحن يا أمي، نحن.."
و ما إن وقع صوت خالد على مسامع السيدة خديجة حتى أسرعت مهرولة، ففتحت الباب، و بدأت تقبل كل واحد منهم بشغف و تتأملهم واحدا تلو الآخر، أخذت الابن الأصغر في حضنها و راحت تقبل جبينه و يديه و وجهه تحت مراقبة حسن و دموع فاطمة الفياضة.أدخلتهم و أجلستهم بجانبها و عينيها لا تملان النظر إليهم، فسألها خالد:
_"لماذا تركتنا يا أمي؟"
_"لم يكن القرار نابعا من إرادتي الحرة يا ولدي"تجيب الأم مقبلة رأس ابنها الصغير.
صمت الكل للحظة ثم سألت الأم:
_"أين هو والدكم؟هل يعلم بأنكم هنا؟"
_"لا،لم نخبره بذلك"
و تواصل الأم إلقاء أسئلتها:
_"ماذا قال لكم عن الذي حدث؟"
تجيب فاطمة هذه المرة:
_"لم يحدثنا قط عن الموضوع و لم يذكر سيرته"
فيما لزم حسن الصمت و لم يشأ ذكر ما دار بينه و بين والده من حديث، لكي لا يعكر صفو هذا الجو المملوء حبا و ودا.ثم يسأل خالد من جديد:
_"متى ستعودين إلى البيت يا أمي؟لقد اشتقنا لوجودك بيننا هناك"
_"أنا أيضا لا أطيق أن أبتعد عنكم يا أحبائي..لكن هو الذي أجبرني.."
فتملأ الدموع عينيها و تصمت لوهلة، ثم تردف:
_"أعدكم بأنني سأعود بعد ثلاثة أيام على الأكثر إن لم يأتي والدكم لاصطحابي، فقد أخبرني جدكم بأنه سيكلمه و يجعله يعترف بخطئه"
و فيما هم على هذا الوضع، دخل الجد و على وجهه علامات الغضب، و ما إن رأى أحفاده حتى حاول إبداء فرحه و إخفاء غيظه، عانقه الأولاد و قبلوا يديه، ثم أجلسوه بجانبهم، و هرعت السيدة خديجة لإعداد الشاي، و أبت فاطمة إلا أن تساعدها، فرافقتها إلى المطبخ، بينما أخذ الجد يسأل خالد و حسن عن أحوالهما الدراسية، و يحثهما على الجد و المثابرة و الاستقامة. و في المطبخ سألت السيدة خديجة ابنتها:
_"كيف هي أحوالكم يا بنيتي؟و هل عانيتم من شيء ما طوال اليومين الماضيين؟"
ترد فاطمة:
_"أحوالنا بخير يا أمي، لا ينقصنا سوى تواجدك معنا بالبيت"
_"لن أتأخر، لكن أوصيك يا ابنتي بأن تعتني بأخويك و أبيك، و لا تقلقي بشأني فسأعود في وقت أقرب مما تتصورين"
...(يتبع)

Share this:

هناك تعليق واحد :

 
Copyright © واويزغتــي | فين ما مشيت . Designed by OddThemes | Distributed By Gooyaabi Templates