المبحث الرابع: مقاومة سكان آيت سعيد ويشو ضد القوات الفرنسية و احتلال ترابهم:
شارك آيت سعيد و يشو، و هم فرقة من قبيلة آيت عطا نومالو، في كل المعارك التي دارت فوق تراب قبيلتهم أو على مشارفه و لاسيما في المعارك التي انتهت باحتلال واويزغت يوم 26 شتنبر 1922 إلا أنهم بالرغم من استسلام إخوانهم قاطني واويزغت فقد فضلوا مواصلة المقاومة بكل شجاعة و بسالة، بحيث أنهم لقنوا قوات الاحتلال دروسا بليغة في حب الوطن و استرخاص كل غال و نفيس من أجله، بالرغم من محدودية عددهم و قلة عدتهم فإنهم صمدوا أمام جيوش قوات الاحتلال الجرارة و ذات التسليح المتطور، و المدعمة بالطائرات و الحركات المساندة لمدة ثماني سنوات بعد احتلال حاضرة قبيلتهم واويزغت، يشجعهم على ذلك الدعم الذي وجدوه لدى جيرانهم و بالأخص منهم آيت إصحا و آيت سخمان، و اتحاد كلمتهم أمام العدو المشترك حيث يضعون جانبا كل الصراعات التي تنشأ بينهم أمام خطر خارجي كما حدث في شهر شتنبر 1921 على إثر جريمة قتل ارتكبها أحدهم ضد أخ له من مشيخة سوق الجمعة بواويزغت. و اعتمادا على مجموعة من المصادر الفرنسية على وجه الخصوص يمكن تلخيص أهم المراحل التي مرت بها مقاومة فرقة آيت سعيد ويشو بعد احتلال واويزغت كالتالي:
- جاء في التقرير الشهري الشمولي لسلطات الاحتلال عن شهر دجنبر 1922 أن آيت سعيد ويشو طلبوا خلال المقابلة التي أجروها عند آيت بوجكجو مع الباشا بوجمعة المسفيوي يوم 14 دجنبر 1922 بواسطة رئيسهم الحربي الشيخ علي وموحى إبرام اتفاق مع سلطات الاحتلال مقابل التسهيلات التي قد بمنحونها لآيت عطا تلك الدير ة أيت عطا واويزغت الذين مازالوا خارجين عن طاعة تلك السلطات للدخول إلى بلادهم و أمام رفض هذا الطلب ترجم آيت تيسليت، و هم فرقة من آيت سعيد ويشو، عدم رضاهم بشن غارتين بفارق أربعة أيام بينهما: الأولى ليلة 23-24 دجنبر 1922 ضد أولاد عياد بني ملال، و الثانية يوم 28 دجنبر 1922 على الساعة الثالثة و النصف بعد الظهر ضد قصر أوربيع. و مع ذلك فقد سجل هذا الشهر بعض علميات الاستسلام عند آيت عطا الدير و آيت عمير و آيت علوان، بحيث عادت من المنطقة غير الخاضعة 25 عائلة من آبت عطا الدير، و بذلك ارتفع عدد العائلات التي استسلمت إلى 250 عائلة من أصل 600.
- و في شهر يناير 1926، و بالرغم من عقد الهدنة الذي يربطهم مع سلطات الاحتلال، فإن آيت سعيد ويشو تعرضوا لعدة مضايقات بسبب انضمامهم إلى صفوف آيت إصحا المصاضيين و آيت داود أوعلي السخمانيين، إلا أن ذلك لم يمنعهم من الاستمرار في المقاومة، و في نفس الإطار قاموا بتشيد قصر للحراسة لتحصين موقعهم. و نفس الضغوط تعرض لها آيت خدجي و إحيتاسن، و هما فرقتان من آيت عطا نومالو كذلك، و لكن بدون جدوى.
- و في يوم 19 فبراير 1926 و قعت مواجهة بين آيت سعيد ويشو و آيت سخمان خلف فيها آيت سخمان قتيلين و جريحين.
- و خلال سنة 1928 بدأت بعض بوادر التضعضع تظهر على فرق آيت عطا نومالو غير الخاضعين مقابل استماتة البعض الآخر. و في هذا الصدد جاء في التقرير الشمولي عن شهري أبريل – ماي 1928 أن آيت سعيد ويشو أكدوا لسيدي الحسين أوتامكة استعدادهم لمنع غير الخاضعين من عبور بلادهم، و بأنهم تقدموا يوم 19 أبريل 1928 إلى الكولونيل حاكم ناحية تادلة للتعبير له عن رغبتهم في أن ينزل الفرنسيون عندهم، و نفس السلوك عبر عنه اعمومن، وهم أيضا فرقة من آبت عطا نومالو من خلال إبداء استعدادهم لمساعدة قوات الاحتلال على الدخول إلى بوتاشتيوين، في حين أن آيت خدجي و إيحيتاسن، و هما فرقتان من آبت عطا نومالو، كانوا في حالة هدنة مع قوات الاحتلال باستثناء حوالي عشر عائلات.
- و خلال شهري شتنبر و أكتوبر 1929 خرق آيت سعيد ويشو اسكسي من جديد شروط الهدنة بمنع السكان من الاستسلام. و بعد قصف قصور اسكسي بالطائرات سعت جماعة آيت سعيد ويشو إلى تجديد فترة الهدنة. إلا أن سلطات الاحتلال لم تعد ترى بديلا عن الاستسلام دون أن تنقطع المفاوضات بين الطرفين.
- و حسب تقرير أعده رئيس مكتب الشؤون الاهلية لبين الويدان عن شهر دجنبر 1929 فإنه تم بتاريخ 17 دجنبر 1929 الاعلان في سوق ثلاثاء آيت حمزة عن إغلاق تراب تادلة ابتداء من 24 دجنبر 1929 و إلى غاية استسلام آيت سعيد ويشو. و قد أغلقت الأسواق فعلا في وجه الخاضعين و المنضمين لقيادة أزيلال و يهم الأمر على الخصوص تجارة السكر.
- و في يوم 29 يناير 1930 جرت مقابلة في واويزغت بين حاكم الدائرة و وفد عن جماعة آيت سعيد ويشو غير الخاضعين. و قد أكد آيت سعيد ويشو خلال هذه المقابلة تعاطفهم مع سلطات الاحتلال ورغبتهم في الاستسلام بمجرد احتلال بلادهم و كضمانة لأمنهم تم فرض الشروط التالية عليهم:
· إدخال قطعان الماشية في جبل غنيم بالمواقع الخلفية للمكاتب الفرنسية؛
· دفع 15 بندقية منها 5 ذات طلقات سريعة؛
· استسلام 6 عائلات.
و قد تم قبول الشرطين الأولين، و أرجي الجواب عن الشرط الثالث إلى اجتماع شهر فبراير المقبل.
و في يوم 7 فبراير 1930 استسلمت جماعة آيت سعيد ويشو في مدينة بني ملال، و كانت تتكلم باسم 250 عائلة، وذلك حسب الشروط التالية:
· تعاد كل قطعان الماشية الموجودة خلف الخطوط الفرنسية؛
· استقرار 10 عائلات في المواقع الخلفية للمكاتب الفرنسية؛
· إحصاء الأسلحة التي تتوفر عليها القبيلة؛
· إمكانية قيام ضباط الشؤون الأهلية رفقة حراس بجولات في بلاد آيت سعيد ويشو مع تسليم رهائن إلى السلطات الفرنسية خلال هذه الجولات.
و قد تمت إقامة حفل "التعركيبة" يوم 18 فبراير 1930 من بني ملال من طرف جماعة يت سعيد ويشو أمام الكولونيل حاكم مقاطعة تادلة للتأكيد رسميا على الاستسلام. و التركيبة هي: "قطع عرقوب الحيوان" و غالبا ما يكون ثورا أو بقرة، لإسقاطه بقصد الذبح. و ترتبط العملية بطلب الشفاعة أو الاستسلام أو ما يسمى ب"العار". كما تمت عملية إحصاء الأسلحة بدون حوادث خلال شهر فبراير1930، كما تم قبول الشروط المتعلقة بالقطعان و بالعائلات العشر. و نتيجة لذلك ثم فتح واويزغت و بني ملال في وجه سكان آيت سعيد ويشو وفق الشروط المطبقة على باقي آيت عطا نومالو الخاضعين.
و يوم فاتح أبريل 1930 أخد بعض آيت سخمان بعنف آيت سعيد ويشو استسلامهم لقوات الاحتلال، و وقعت مشاجرة بينهم في سوق إسكسي على بعد 4 كلم شرق بوبكر قتل خلالها رجل من آيت سخمان. و قد خلف هذا الحادث نوعا من الغليان في المنطقة. و في ليلة 2-3 أبريل 1930 حاول بعض المجاهدين التسرب إلى قصر الشيخ ولعيد من آيت سعيد ويشو إلا أنه تم التصدي لهم و طردوا. وفي يوم 9 أبريل 1930 حاول آيت حمي وسعيد من (آيت سعيد أوعلي من آيت سخمان) مهاجمة إيغيول سابك بين أدوز و أكنوس، إلا أن مخزن أدوز رد عليهم و قتل منهم ستة أشخاص.
و في مقال نشره الضابط J.Ladreit De Lacharrière جاء بأن آيت سعيد ويشو إيسكسي و تاملوكت، و يمثلون 250 عائلة كانوا آخر فرقة من آيت عطا نومالو لم يخضعوا بعد عمليات سنتي 1922 و 1923، و قد استفادوا من سياسة الهدنة إلى غاية سنة 1929. و في يوم 21 أكتوبر 1929 تم قطع فترة الهدنة مع آيت سعيد ويشو، و بإنذارهم بجعلهم أمام اختيارين: إما الخضوع و إما العلاقة تماما مع المنطقة الخاضعة. و بعد بضعة أسابيع من العداء ادى العمل السياسي الذي قامت به دائرة بني ملال بالتعاون مع الباشا بوجمعة المسفيوي، و العمليات التي نفذها المساندون إلى الإعلان الرسمي لآيت سعيد ويشو عن استسلامهم يوم 15 فبراير 1930، و تم تأكيد ذلك باحتلال البلاد.
و في مقال نشره Pascal Durand فيشهر مارس 1930 أكد بأن الإستسلام الرسمي لآيت سعيد ويشو كان يوم 18 فبراير 1930 ببني ملال أمام الكولونيل De Loustal حاكم دائرة بني ملال و العديد من الضباط و السكان. كما حضر هذه العملية ضباط واد زم و دار ولد زيدوح و جاء وفد من آيت سعيد ويشو لتقديم التعركيبة و وضع السلاح يتقدمه اليوطنان Boyer De Latour و قد ألقى الكولونيل دولوسطال كلمة بهذه المناسبة. و قد جاء هذا الاستسلام بعد عدة شهور من المفاوضات بين مكتبي بني ملال و واويزغت من جهة و بين أعيان آيت سعيد ويشو من جهة أخرى. و في يوم 7 فبراير 1930 بعثت جماعة آيت سعيد ويشو المتكونة من 250 عائلة وفدا عنها إلى واويزغت لقبول شروط الأمان و الالتزام بنقل جميع قطعانهم على الفور إلى الخطوط الخلفية الفرنسية. و كان آيت سعيد ويشو قد كبدوا فرقة Grasser في سنة 1924 خسائر فادحة بالرغم من الوعود التي أعطوها لسلطات الاحتلال، وعقدوا عدة فترات هدنة و لم يحترموها، ويرى نفس المقال بأن سياسة السكر أي ولوج سوق المخزن لشراء هذه المادة قد لعبت دورا في إجبار آيت سعيد ويشو على الاستسلام خاصة بعد إغلاق تلك الأسواق أمامهم يوم 25 نونبر 1929. و مساء 2 ماي 1932 حاول فريق من 3 مجاهدين الاستيلاء على قطعان ماشية لآيت سعيد ويشو، فوقعت مواجهة بين الطرفين خلف فيها المجاهدون شهيدا واحدا.
و هناك من قسم غزو تراب آيت عطا نومالو إلى ثلاث مراحل هي:
- المرحلة الأولى 1916-1917 تم خلالها احتلال مجال آيت وانير، و من أهم الزعماء المحليين في هذه المرحلة القائد احماد أوباسو الذي استشهد أثناء المقاومة و أحرق منزله سنة 1917 و خلفه يدير.
- المرحلة الثانية 1921-1927 تم خلالها اختراق مجال واويزغت من واجهتين، واجهة مراكش و واجهة بني ملال.
- المرحلة الثالثة 1927-1930 تم خلالها احتلال آيت سعيد ويشو، و قد أسقطوا طائرة، و قتلوا قائد أولاد مبارك بلقرشي. و من أعيان واويزغت في هذه المرحلة الحاج محمد و خلا شعيب. و قد تم هجاء هذا الأخير في البيت التالي:
"أخلا شعيب أُرضيغ أكثران ارومين آتبراتين"
أي لم يرض أن يكتب اسم خلا اشعيب في وثائق المعمرين.
المصدر:
كتاب مقاومة سكان إقليم أزيلال للاحتلال الفرنسي في مرحلة غزو المغرب ما
بين سنوات 1912م-1933م -- الجزء الثاني لمؤلفه المرحوم الأستاذ عيسى
العربي.
يتبع
إرسال تعليق